ربما لو تحدثت عن تجربة شخصية، لغلبتني عاطفتي، وغيري أيضًا ستتغلب عليه عواطفه، لكنني أؤثر أن أرصد ماتراه عيني في كل بلد عربي أو أوربي، ومارأيته خلال فترة إقامتي منذ وقت غير قصير بدولة الإمارات الشقيقة، وخاصة إمارة دبي، لذا لن أتحدث عن تجربة شخصية، بل سأترك عيني وأذني ترصدان ما يعيشه مصريون ضمن عشرات بل مئات من الجنسيات وأصحاب المعتقدات المختلفة على أرض هذه الدولة الحبيبة التي أحبها المصريون أكثر من أي مكان آخر بعد مصر.
إنهم يحبون الإمارات وناسها لسبب بسيط وجوهري أيضًا؛ وهو أن الدولة ومؤسسها الخالد المغفور له الشيخ زايد آل نهيان كان على رأس محبي مصر محبة حقيقية، وتجلى ذلك في مواقف عدة لن تنساها له مصر سواء في حرب العبور أكتوبر 1973، أو حين حاول البعض من جبهة الصمود والتصدي عزل مصر عن أمتها العربية، وقف وقفته المشهوده، ولم يقبل بتصرفاتهم الصبيانية حافظًا لمصر قدرها وقيمتها، إذ قال " مهما أعطينا مصر فلن نوفيها حقها فيما قدمته للأمة العربية" وعبرت مواقف حكيم العرب الشيخ زايد انحيازه دوماً بجانب مصر، وحتى عندما قاطعت بعض الدول العربية بقيادة حكامه المتشنجين مصر وزعيمها السادات بعد قمة بغداد بسبب اتفاقية كامب ديفيد، قال مقولته الشهيرة: "لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود بدون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأي حال أن تستغنى عن الأمة العربية"، وظل الحكيم على تواصله مع مصر رغم مقاطعة الآخرين لها، وتجلّت مواقفه وأصالته الإنسانية أكثر واكثر، حين حاولت دويلة قطر أن تنال من مصر والإمارات، حيث خرج وزير الخارجية القطرى آنذاك بسيل من التصريحات التى دس فيها سموم إمارته بهدف شق الصف العربى، ورد الشيخ زايد آل نهيان على تلك التصريحات التى هاجمت الإمارات ومصر، قائلاً: "إنه لا يمكن مقارنة شعب يبلغ 65 مليون نسمة بسكان فندق واحد" وقال أيضًا: "ما تقوم به الإمارات نحو مصر هو نقطة ماء في بحر مما قامت به مصر نحو العرب" وهو أيضا من قال : "نهضة مصر نهضة للعرب كلهم"، ولعل مأثرته الخالدة أو وصيته هي ما يفعلها أبناؤه البررة حتى الآن، إذ قال رحمه الله في جمع من السياسيين والصحفيين:"أوصيت أبنائي بأن يكونوا دائمًا إلى جانب مصر، وهذه هي وصيتي أكررها لهم أمامكم".
هنا في دبي أنت كمصري لست في بلد يفتنك معماره الحديث ولا نهضته الاقتصادية الواضحة، أو تأثرك حركة ناسه وحالتهم العملية ورقيّهم الإنساني اللافت، فقط، بل لا تزال أصداء وصايا زايد تتجسد عمليًّا مع كل مصري تطأ قدماه أرض الإمارات إن زائراً أو جاء للإقامة والعمل، أبناء زايد يؤكدون يومًا بعد يوم أنهم خير خلف لخير سلف، وأنهم غصون نضرة من شجرة زاهية بالعطاء والحكمة والمودة، لأن جذورها ثابتة وفرعها في السماء، ولأن الباني الأول كان حكيمًا فقد بني على الصخر، لذا صمدت بنايته أمام أعتى الزوابع والأعاصير، عكس غيره كثيرون بنوا بيوتهم على أرض رملية فجرفتها مياه الأمطار ولم يتبق منها شيء، وهذا هو دأب الحقيقيين دومًا، الذين يبنون للإنسانية ويشيدوا إنسانية قبل البناء الخرساني أو الطرقات الفسيحة، إنه زايد الخير والنماء، من أحب الأرض والبشر فأحبه حتى الحجر وصار طوع بنانه يعطي ويثمر.
هنا في دبي الخير، يزرع أبناء زايد أشجار أخرى يستمدون شتلاتها من مزرعة المؤسس الكبير، فها هي شجرة التسامح الوارفة التي تظل جميع البشر بظلالها، ويكفي أنك لا تتعامل مع هذا أو ذاك من عشرات الجنسيات والمعتقدات التي ينتمي إليها الذين يعيشون على أرض الإمارات، طبقاً لعقيدة هذا أو جنسية ذاك، بل الكل سواسية كأسنان المشط، ولعلك تعلم أن القانون الإمارات يجرم من يتعامل مع مواطن أو وافد طبقًا لدينه أو جنسيته بأقصى العقوبات التأديبية والغرامة المالية، وها هي أيضًا شجرة السعادة التي تساعد الجميع على تحقيق أكبر قدر من سعادة الفرد بإسعاده لغيره، بالعمل أو بالعطاء غير المشروط، وحديثا استنبط أبناء زايد من تجربة المؤسس الأعظم شجرة أخرى اسمها "اللامستحيل" ولِمَ لا ؟! فمن كان يرى الإمارات قبل جهود زايد في توحيدها والعمل على نهضتها في بدايات السبعينيات، لم يكن في أحلى الأحلام يتوقع أن يتحقق واحد من الألف مما حدث من المعجزة الإماراتية بل هي معجزة زايد، لكن من كانوا يعرفون الشيخ زايد وجوهره حق المعرفة، لم يندهشوا كثيرًا فهم يعرفون مدى إخلاصة وإرادته الفولاذية المؤسسة بيقين الحق والمحبة للخير.
هنا دبي شجرة باسقة من حقول زايد الخير، طالما أنك تعمل بشرف وإتقان ومحبة للغير فأنت على كفوف الراحة، أما غير ذلك فالقانون كفيل بك، عدا ذلك فأنت حين تسير في شوارع دبي أو تدخل مؤسساتها، تلاقيك وجوه مستبشرة، محبة للخير وتتمنى لك الخير، فلا تملك إلا أن تقابل الخير بالخير، وتدعو لهذا البلد وأهله، وتردد في كل لحظة: رحم الله زايد الكبير .
